الاثنين، 27 أكتوبر 2008

الخوف من المدنية


















المدنية أسلوب حياة وأسلوب وعي, دخلت قاموس العصر الحديث بتوسع الوعي والمدارك والمهام البشرية مع التوسع السكاني المتركز في المدن بشكلٍ أساسي , توجب تمركز تنوعي ونوعي مختلف الميول والأفكار والمعتقدات , تنوع المهارات وأنماط المعيشة القائمة على الانسجام في الوظائف البشرية وأساليب الحياة العامة والعمل الصناعي محكوم بطبيعة تخالطيه
ضرورية من أجل الوجود والتطور , قائمة على أساس وحدة الحياة والمصير تقوم على تبادل الأفكار والمهام من خلال مؤسسات ونوادٍ, جمعيات وأحزاب ترعى شؤونها وطموحاتها وتعبر عن تفاعلها من خلال هذه المؤسسات ,فيرتفع عندها الانسجام وتزداد المنافسة السلمية في إيجاد وسائل أرقى وحياة أفضل ومهام ترفع من مستوى نشاطها لإحراز بنية متطورة وفعّالة في حياة المجتمع يمكن أن توفر أجواء في غاية الروعة والحب والتآلف بين جميع البنى المختلفة والمتغيرة , والإشراف السلمي على هذه الطبيعة التعاقدية يتم من خلال سلطة سياسية تنظم هذا التفاعل بحرية وسلمية قادرة على تشجيع النشاطات الخلاقة في بنية المجتمع.
فالدولة القادرة على احتضان مجتمع مدني مختلف النماذج الفكرية والسلوكية تكون على مستوى عالٍ من التنظيم في جميع مرافقها العامة وقادرة على تأمين الضمان ولرفاه في مستوى مقبول يمكن أن يوفر للجميع في بناء حيلة متطورة وإنسانية , لأن الحيوية الفاعلة تخرج عن طبيعة الإنسان الحر والمستقر بما يعزز نظام التكافل الاجتماعي ويعطي الوعي طاقة الإبداع الخلاق.
هذا الواقع الأفلاطوني المتطور يخيف المجتمعات الأقل قدرة على التكيف , لأنها مجتمعات قائمة على العصبية القبلية والانحلال والتفرقة والطبيعة السكانية قلقة ومطربة مزودة بإرث فكري فوقي سلطوي إملائي لا يشجع البوادر الحرة وبعيد عن لغة الحوار الهادف حوار مسؤول ومتحرر من الانحياز والتبعية والهيكلية التعاقدية قائمة على مستويات بنائية تعوزها الهيكلية والوعي الثقافي والمنظمات والجمعيات المدنية القادرة على توليفها وتأمين تآلفها لبناء مصالح مشتركة ووعي قابل للتكيف مع التعددية الفكرية ة والعقائدية , والعيش في سلام واحترام مع عقائد ومعتقدات مختلفة.
فالوعي المبني على لغة الإقصاء والتجريم والتحريم يعاني صعوبة واسعة في نشاطه الاجتماعي
إنه وعي حدي يرفض الحوار العقلاني وبالتالي فإن النفسية العصبية لديه متعمقة في وجودها التاريخي .
مخطئ من يظن بأننا نتهم أحداً لأن الطبيعة الخلافية والتنا حرية ومجمل البناء الفكري المتراكم أوصل هذا التنوع إلى نوعيات متباينة , هذا التنوع يمكن يغني الحياة المدنية ويعطيها القدرة على التكيف والتمدد مع الواقع الراهن عندما تنتهي العصبية ويزول الاحتراس وينتهي الإملاء والإقصاء بوسائل الترهيب والضغط , لن طاقة الانفتاح قادرة على صنع المعجزات في الواقع البشري , فقد تكيّف الهنود الحمر مع المدنية الحديثة ودخلوا مجرى التاريخ البشري من بابه الإنساني .
فالطبيعة البشرية قائمة على المعرفة المتوسعة والنامية وقائمة على توازن العقل في محيطة الشامل , فالشعوب النامية تسارع للوصول إلى مستوى الحياة الإنسانية الراهنة من خلال الاهتمام والانتباه وإدراجها في مسؤولية البناء والتغيير عندها يمكن أن ترتقي إلى مستوى مدني مرموق قادر على التعايش والتفاهم مع الحضارات المتواجدة في النظام البشري والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية القادمة.

جمود العقل السلطوي











توضيح الأبعاد المرتبطة بالمتغيرات الجارية لوعي النظام والسلوك وطبيعة العقل البشري وبدء انتشار ملامح عصر قادم يمكن أن يبهر العقل الساكن والساكت عن تأمين الضروريات والإجراءات المترافقة مع ظهور ملامح وعلاقات وأنظمة دولية قادرة على استيعاب البنية الجديدة للحضارة المرتبطة بالتوسع الهائل في أنظمة الإعلام المختلفة والتطورات التقنية والاكتشافات والأبحاث الو راثية وتطور تخليق الكائنات الحية في الأنظمة المخبرية وتسارع الهجوم الواعي لنشر الحريات العامة والحقوق الإنسانية والنسائية , والمشاركة الفعلية في صياغة القرارات الدولية على المستوى العالمي , وتزايد المطالبة بواقع ديمقراطي عالمي يستوعب الآراء والأفكار الجديدة وإحراز تقدم وتقارب بين مفاهيم مختلفة سائدة ومرتبطة بإرث تاريخي ونمط سلوكي ناشئ عن تطور مرتبط بوجودها الحيوي .
فالتغيرات العصرية الجارية والحضارة القادمة وما يلازمها من معرفة وأجهزة وصياغات تربك العقل القابع في كهف السلفية والجمود .
عقلية الجمود هذه بنظامها الأبوي تريد وقف الحياة عن إجراء أي تبدلات في بنيتها المعتادة, وقفها أو إرجاعها إلى بنية تتفق مع وضعية العقل المتسلط عقل
لا يظهر استعدادا للتكيف والاعتراف بما هو جاري في نظام العالم من تغيرات قادرة على نسف القواعد المهترئة لأنظمة التسلط الأبوي ونسف مفاهيمها بلغه رقميه
لا تعترف بأنظمة الرقابة الصارمة ومجبرين للتعامل معها لقدرتها القابلة للتوسع والانتشار.
فالقدرة على التكيف مع المتغيرات تحتاج إلى تضحية ذاتية وقدرة على استقبال المعارف المتباينة والمختلفة الناشئة من معطيات ملازمة للتقدم والتطور بمختلف
المجالات الإنسانية الراهنة .
فالعقل لم يفهم كيفية ظهور المتغيرات في بنيته المترافقة مع إجراء انتقالات هامه في العصور التاريخية السابقة فالتبادلات التاريخية المؤدية للارتقاء والتطور البشري الواعي جرى في أزمنة وصلتنا نتائجها جاهزة , مرتبطة في مخزوننا
المعرفي بدون أن نعرف ماهية ارتباطها بهذا العقل ولا الكيفية التي تم ربطها به نتعامل معها وكأنها مرتبطة بنشوء العقل ذاته .
لم يعرف الإنسان الراهن بالتحديد كيفية حدوث الارتقاء من إنسان تابع للطبيعة إلى إنسان يمتلك استقلالية نوعية إلى حد ما .
فالمواقف والمعارف الاجرائيه توترات في بنية العقل ولم يدرك العقل أهميتها حتى أصبحت ضمن بنيته الأساسية مرتبطة به اشد الارتباط وتعبر عن مجرى نشاطه
في محيطه الحيوي .
فالتواصل التطوري المرتب لأحداث أنظمة لغوية مرتبطة بحاجة العقل للتكيف مع الحياة حدث وفق منظومة من التطورات المترابطة مع التغيرات الجارية في نظام الحياة وانتقلت بشكل تدريجي من أنظمة حسية إلى أنظمة عقلية مرتبطة باللغة المعبرة عن مكونات الأشياء وماهيتها ومدى التطور في طاقة وقدرة العقل للتوفيق
بين الأنظمة اللغوية والواقع التفاعلي مع نظام الموجودات وأنظمة التعامل معها .
متغيرات جرت والكل يعترف بوجودها وابتعاد الإنسان المعاصر عن مجرى طريقة حدوثها جعلها جاهزة في بنية العقل وكأنها مرتبطة بطبيعة التكوين الإنساني , وجميع النشاطات البشرية المرتبطة بوجود اللغة تغيرت كثيرا عن النشاطات الإنسانية في حالة عدم وجودها, تغيرات دائماً تجري في نظام وعينا ونهمل المتغيرات الناتجة عنها لنصل إلى واقع جديد مدرج في بنيتنا العقلية والسلوكية يظهر من خلال نشاطنا وكأننا حريصين على معاداة جميع المتغيرات المتعارضة مع بنية العقل التاريخي المندمج مع ذاتنا الإنسانية .
لم يرتبط وجودنا بالدين فارتبط الدين بوجودنا فلو ارتبط الوجود الإنساني بالدين
لكانت الانسانيه تدين بدين واحد يرافق وجودها التطوري عبر التاريخ البشري
فالتغيرات الدينية في طبيعة الوجود البشري حدث من تتابع الإنزال الديني على المتغيرات في السلوك والمعرفة البشرية , فالوعي الديني عبر قرون طويلة
ومديدة من الإملاءات الأخلاقية وما رافقها من ارتباطات إيمانية تعزز لغة التكيف مع الأنظمة الروحية وطقوسها المختلفة لربط الإنسان بطبيعته الكونية ,
مجريات الوعي الديني تعمقت بشكل تدرجي وتنافسي أحياناً نظراً لنزول بعض الأديان على الساحة البشرية المختلفة في طريقة تعاطيها الديني وكل المعتقدات عمقت بنيتها في النفس البشرية بأشكال وطرق متنوعة لتوصيل الإيمان لخالق الأديان .
ومن خلال الصدام وطبيعة الأحداث الجارية والفتوحات وجميع النشاطات المرتبطة
بواقع تتحكم به طبيعة الدين المتواجد في بنية المجتمع ومع ارتباط الدين بالسلطة ظهرت السيادة الدينية كقوة حرة ومتحررة من التبعية البشرية , واكتسبت قوة السيطرة على الوعي وتحكمت بمجرى بناءه اللاحق ولم يفهم الإنسان طبيعة الغزو الديني لوجوده لأنه رافق التبدلات على الوعي ضمن الخط التطوري للبناء المعرفي مع مجرى التاريخ النفسي ,
في العصر الراهن تجري تبدلات هامه في وعينا بدون إدراك طبيعة تبدل هذا الوعي
بالرغم من التغيرات السريعة في بناء الحضارة الإنسانية الراهنة فسرعة تواصلنا يؤسس وجوداً إنسانياً متوافقاً مع منجزات التقدم وما يرافقه من ادخالات هامه على بنية وجودنا وقدرة تكيفنا مع منجزاتنا ويعطينا دفعا هاما وقويا لنفهم الكثير عن منجزات العلوم المختلفة نتقبلها بطيبة خاطر وتدخل حياتنا وتؤثر فينا دون إدراك مدى تأثيرها الحاصل ببنائنا العقلي المنعكس سلوكاً, فالمعارف والعلوم تزداد تنوعا وتداخلاً مع بنيتنا ومهما كانت الإجراءات المتخذة لوقف تدفق أثرها على بناء مجتمعاتنا يبقي إجراء محدود غير قابل للصمود أمام هجوم التكنولوجية المتطورة وما تستدعيه سرعة التغيرات المستجدة في الأنظمة الاجتماعية والمعارف العقلية المترافقة معها .
فالسرعة الحاصلة في الاكتشافات والأبحاث في مختلف العلوم المرتبطة بالحياة الإنسانية وتوابعها مجبرين على تقبلها كواقع عملي مفروض ومحسوس ومهما كانت طبيعتة الثقافية فإننا نسعى لمعرفة المزيد ونريد استيعاب المزيد ، والمصاعب المعرقلة للاستيعاب القائم ليست من طبيعة الشعوب العقلية فالمصاعب غالبا ما تكون خارج الذات الاجتماعية كالعوز الاقتصادي المؤدي لضعف اقتناء المزيد من التقنية والمعرفة التقنية المرتبطة بها والخوف الصادر عن أنظمة تعيق التغيرات الملازمة لنقل تكنولوجية المعلومات المؤدية لإحداث تغيير في المجرى الاجتماعي فتسعى لوضع العراقيل أمام توريد وتناقل التكنولوجية القادرة على أحداث ثورة في البناء الاجتماعي والثقافي ,فالتأثيرات التدرجية الجارية على بنية العقل الإنساني الراهن , ستغير مجرى البناء المعرفي والسلوكي بدون إحساسنا الراهن بأهمية هذا البناء على الرغم من التخلف والتعصب الموروث من تراكم الأحداث التاريخية الماضية, يظل العقل المنفتح على الوجود يحرز انتصارات متلاحقة ومهمة في إرساء قواعد المعرفة والسلوك وبناء طبيعة معرفية تتفق مع إنجازات الإنسانية بالذات .

حسين عجمية
Ansaroz56@gmail.com

التفاعلية والصيغ الديمفراطية












لكل حقيقة معنى في عصرها تنتشر لتأخذ أبعادها الكاملة في الوعي و السلوك الإنساني مهما تراكم عليها الزمن , فالأبعاد الخفية لمسائل موضوعة للتداول والتطبيق مرتبطة بمظاهر الحياة في واقعها الفاعل ضمن تأثيرات من الآراء والمقترحات الإنسانية , فكل منظومة مرتبطة بوعيها الخاص ومتأثرة بمضمونها التفاعلي , ومجمل الأبحاث والمقترحات والتأويلات تتبع وجودها كظاهرة في متناول الوعي والممارسة مدرجة لتأمين واقع مرتبط بمضمونها مؤسس ضمن منظومة بشرية ناهضة بواقع تاريخي يعطيها القدرة والإمكانية لأن تكون رائدة في تعميم مضمونها على الواقع البشري .
واقع اتصف بظهور تجربة معينة وضعت كاحتمال أساسي لإنقاذ العالم من ارتباطه بالمشاكل العامة والعالقة في بنيته السياسية والاجتماعية وغيرها يمكن أن تكون معيقة لنموه وتغيير مضمونه , وتزايد العجز المتراكم في بنيته الناشئة عن نمطية إيديولوجية أخذت بالتراجع أمام فكر انقلب على مضمونها نظراً لعدم مواكبتها لمسائل الوجود المتغيرة والأساسية , فالحلول القادرة على إحداث نقلة نوعية غير قابلة للتراجع ضمن بنية اجتماعية واقتصادية متوافقة مع مضمونها , فالمشروع السياسي القائم على إحداث وجود مرتبط به كأرضية قابلة للتراكم والبناء عليها يمكن أن يزيد الوعي المتفاعل معها بشكل تجديدي ويهجر وعي محدد بنظريات مسبقة الصنع مجهزة لتغطية نظام الوعي بمضمنها السياسي يمكن أن يرافقه واقع مضاد يعمل لإفشال هذه المضامين ويمنع جريانها من تعميق مجراه لأن وجوده الفاعل من خلال تأثيره يمكن أن يهدد البناء القادر لإنشاء دولة بمفاهيم متطورة ومبنية لتأمين استمرارها الحيوي في الوجود دولة تبتعد في وجودها عن ارتباطها بمنظومة فكرية أو مؤثرات شخصية تؤطر الدولة في علاقة معها أو تنشئ دولة بناء على مقياس الشخصية الخاص بما يهدد زوال الدولة بزوال الشخصية المرتبطة بها عندها يقوم المجتمع على تهديم نفسه ,
وعندما تعمل الدولة على حبس العقل ضمن أطار ما وصلت إليه وما تحلم به يظهر الواقع السياسي ضمن مظهر إيديولوجي حالم بتحقيق مقولاته الغائية في مدى بعيد جداً ويبقى المهم التمحور والتمسك بهذه المقولات , وعندما تتصف المقولات بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها السياسية يبدأ الفكر بالهجرة من برامجها المضللة للوعي ويبدأ الواقع بالتأزم وتزايد النقائض في بنيته فالحركة الشعبية تنحرف وتهتز المعتقدات السياسية لتصبح أقوال غوغائية مضللة للوعي فتنعدم القراءة الرائدة لحركة المجتمع التفاعلية ويتراجع النضال عن المطالبة بإجراء تغييرات تتفق مع مطالب الناس وإرادتهم , عندها تظهر المؤسسات المرتبطة بالشعب وكأنها قائمة لمنعة من تحقيق أحلامه في بناء دولة تتفق مع تطلعاته الحقيقية .
ومن خلال قراءة معمقة لمقولة الديمقراطية نجدها تمر بثلاث مستويات مؤثرة في البناء العالمي والأنظمة الاجتماعية المختلفة بطريقة بنائها السياسي .
المستوى الأول : مستوى عالمي تفاعلي بين جميع الدول على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية , يمكن أن يظهر من خلال مسائل تهم الوجود البشري
( كبرامج التسلح النووي والمنتدى الاقتصادي العالمي ومؤتمر الحد من التلوث البيئي والأوبئة البشرية الخطيرة وغيرها من المسائل المدرجة في لائحة الاهتمام بالمسائل الأكثر خطورة على الوضع العالمي )
تظهر الديمقراطية كقضية تفاعلية بين الدول وبطريقة انتقائية حسب قوة الدول وقدرتها في طريقة الإسهام في صنع القرارات الدولية بما يتفق مع مصالح الدول الأقوى ويمكن الارتقاء أحياناً من خلال التوجيه للوصول بالمسائل الحيوية إلى مستوى المسؤولية في تحقيق التوافق بين الآراء لتأمين موقف موجه لخدمة القضايا الحساسة ,
والديمقراطية في واقع التعارض الدولي غير مؤهلة لأن تكون قوة فاعلة تؤسس عليها البرامج والمهام الدولية الأساسية , فالدولة المهيمنة والقوية تفرض برامجها أو تتنصل من أي برامج مطروحة على أرضية التطبيق العملي . فالعالم أجمع لم يستطع إلزام الولايات المتحدة الأمريكية من الانضمام لاتفاقية الحد من انبعاث الغازات المؤدية للاحتباس الحراري , فالديمقراطية العالمية غير قادرة على توجيه الدول وفق مسارات تتفق مع المصالح البشرية وهذا ما يؤثر على الواقع الديمقراطي الداخلي لبنية هذه الدول , فالعقل البشري لايوافق على تجزئة المفاهيم التي تتعرض لمواقف وأراء متضاربة تجاه مسائل الوجود الإنساني , لأن طريقة توظيف المفاهيم الموضوعة لإحداث تغيرات حقيقية في بنية الأنظمة المختلفة المعادية للطريقة الديمقراطية في إدارة هذه الأنظمة وغيرها من الأنظمة المدارة بالطريقة الديمقراطية المتفق عليها كنظام لم تصل لحد وقاية هذه الأنظمة من التفكك والانهيار .
فالتعامل الديمقراطي الدولي يعطي صورة واضحة للعقل المتجه نحو الديمقراطية بأنها لعبة سياسية غايتها تأمين مصالح حيوية لأنظمة اقتصادية فاعلة في الواقع الدولي , فتظهر الديمقراطية كأسلوب غائي يتم ترويجه للحصول على المزيد من المكاسب على حساب الأنظمة الضعيفة .
المستوى الثاني : مستوى مرتبط بطبيعة الأنظمة المختلفة في توجهاتها وبرامجها وطريقتها في إدارة المجتمعات التابعة لنظامها الخاص , فالكثير من الأنظمة العالمية شهدت تحولاً يرتبط بتوسع المساحة المتاحة على أرضية التفاعل الداخلي وطريقة الانخراط في واقع قادر على تجاوز الكثير من السلبيات المعترضة للحقوق الأساسية للمجتمع , وتزايد المشاركة في إدارة وتنظيم الواقع الاجتماعي والسياسي بما يتفق مع التطلعات الحضارية في إحراز تقدم منفتح على كافة الاتجاهات والميول السياسية والاجتماعية وتعدد وسائل التعبير في إخراج المضمون الفعلي للديمقراطية كنظام للمشاركة الحيوية لكافة القوى والعقول الفاعلة في بناء المجتمع وترقية دوره المتزايد في تقوية روح الفهم والانفتاح الواضح لطريقة فهم الأخر وسلوكه وإتاحة جميع القنواة المؤثرة في أيدي الجميع لبناء أمة منفتحة تعمق دورها في عكس طموح أبنائها وإصرارهم على التعايش في وطن حر ومزدهر يسوده الانفتاح واحترام الوجود الإنساني بكل أطيافه وأشكاله , أنظمة قادرة على فتح جميع المعابر للمشاركة في بناء الحياة الخاصة بهم بما يتفق مع المصلحة الأساسية لوجودهم في بنية الدولة وقيادتها على أساس الحرية في إخراج المكونات القادرة على بناء مجتمع ترتقي فيه العدالة إلى مستوى مقبول من الجميع .
في جانب آخر تتفاعل دول وأنظمة مع الديمقراطية وكأنها أسلوب لتخريب وتمزيق بنائها الداخلي نظرا للضعف الجاري في عملية فهمها وتطبيقها لأن كثرة المعوقات المتواجدة في بنية المجتمع يمكن أن تؤدي إلى الإساءة إلى الطبيعة الديمقراطية في تأسيس نظام منفتح على الكل والكل منفتح على النظام فالوعي الديمقراطي وعي تفاعلي وتصالحي وإن طريقة التعبير عن الهموم والمشاكل تكون صادقة بالتزامن مع الوضع في إتاحة الفرصة بالتعبير عنها بحرية فإذا كانت الديمقراطية حق مكتسب للوجود الاجتماعي ضمن بناء تعددي فإن هذا الحق يمكن أن يساء إليه من جوانب معادية يعتبر وجودها انتهاكا لمشروعه في السيادة والتفوق فالكل يعلم بأن الوعي المنخرط ضمن معرفة مؤطرة وجاهزة لا تفهم غير الإملاءات وغير قابلة للتكيف مع جو يسوده احترام الرأي واحترام المبادرة والإبداع لأن طريقة الوعي الجامد والمحافظ على دوره القيادي الهش يدون جذور فاعلة في الواقع الاجتماعي سيخسر هذا الوجود عندما يبدأ التطبيق الديمقراطي يأخذ مجراه العملي في بناء المؤسسات والمنظمات المدنية والأحزاب وعندما يتحرر الوعي من التبعية بالنقد المتواصل للقوى القائمة على الوهم والحفاظ على مراكزها الوهمية .
هناك مرض خطير في أنظمة اللون الواحد يكشف مدى الخطورة في بناءه العام لأن الحاشية التابعة له والمسئولة عن إدارة المؤسسات المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تهّول وتنظر بشكل مريع مدى الخطورة في إطلاق الحريات العامة والاتجاه نحو الوعي الديمقراطي و تنصب نفسها حريصة على النظام ومؤسساته العامة عندها تقوم بفعل تخريبي بقصد أو بدون قصد وكثيرا ما يقودها وعيها اللاشعوري في اتخاذ مواقف تسيء لوجودها بالذات .
عندما تنصب نفسها حكما مدافعا على المنجزات العامة تحاول إبعاد أي بنية جديدة ناهضة وقادرة على تحقيق المزيد من المتغيرات القادرة بالنهوض بالواقع الاجتماعي ورفده بطاقة فتية ومتجددة تعزز وحدة المجتمع وانسجامه الداخلي وعندما يتم العمل لمنع العقول الجديدة في اتخاذ مواقعها في بنية المجتمع التفاعلية يضمحل المجتمع أو يموت .
المستوى الثالث : ينطلق من بنية الفرد النفسية في مجتمع ينتمي إليه ويتفاعل معه ضمن معايير وأفكار مختلفة مترافقة مع بنية تاريخية وتأثرات متنوعة لتشكيل منظومة عقلية مؤثرة وفاعلة في البناء الاجتماعي .
فالمعارف المكتسبة كثيرا ما تؤثر على منحى واتجاه العقل وطريقة تفاعله مع وجود يتغير بتغير المعطيات المرتبطة به والمؤثرة على بقائه أو انهزامه والمهم في الأمر هو طريقة التعاطي مع تنوع الأفكار وطبيعة الممارسة الاجتماعية لطبيعة الأفراد النفسية في المجتمع .
ليس من المهم الترويج للأفكار الديمقراطية بمقدار الالتزام بمضمونها العملي وكأن الديمقراطية موضى عالمية تغزو الوعي البشري طبقا لسرعة ترويجها , يتكلم المثقفون كثيرا عن الديمقراطية ويحتكرون مفاهيمها من خلال منع الآخر من التعبير عن مضمونه الفكري وثقافته مهما كانت بسيطة , ويمكن أن تتحول الديمقراطية إلى نظام للمتاجرة بالكلام فقط , فالمضمون النفسي وطريقة التعاطي مع الآخر إما أن يعبر عن مضمون ديمقراطي أو عدمية هذا المضمون , فالديمقراطية نظام حياة الأفراد والمؤسسات وجميع البنى القائمة عليها الدولة وفق منهج ديمقراطي موحد. فالوعي والثقافة الفردية عندما تقف حاجزا أمام إمكانية الآخر عن التعبير عن معطياته الداخلية يكون معادي بطبيعته للديمقراطية مهما تكلم وشرح المفاهيم والمنطلقات الأساسية للديمقراطية , كيف نسمح لأنفسنا في التعاطي مع جميع المسائل والأفكار المرتبطة بحياة الآخرين ولا نتذمر من التعاطي مع مفاهيمنا بالنقد ؟ كيف نسمح لأنفسنا في بناء ثروة ثقافية ونعمل على منعها عن الآخرين ونعمل على بناء ثروة مادية وقصور فخمة ونمنع بناءها للآخرين ؟ كيف نعمل بكافة أنواع الدس والخداع للوصول إلى منصب سياسي ونتبع كافة أنواع الدس والخداع لمنع الآخر من الوصول إلى مناصب مشابهه ؟ فالبناء الداخلي غالبا ما يكون أناني غير قادر على التكيف مع البناء الديمقراطي ويعمل لمنع أي توجيه ديمقراطي حقيقي فالترابط الوثيق بين جميع المعطيات القادرة على إحراز تقدم في البناء الديمقراطي العام يجب أن تكون فاعلة وقادرة على تأمين واقع ديمقراطي يتفق ومضمونها الأساسي .

بنية التوافق العقلي
















الوجود كوعي متعمق في معاني الموجودات الدَّالة على وجوده المتداخل والمنسجم مع غاياته, المعبرة عن محتواها المتلازم مع أصل الوجود.
فالمنظومة الكونية مرتبطة بقواعد تعمق تلازم البقاء المتكافئ لجميع منظوماتها المعبرة عن مسارات تحقق تفاعلاً فيما بينها لتأمين التلازم في الحركة المتداخلة مع قوانينها الدقيقة المؤدية لسر استقرارها المستمر.
فالكون مجال متوسع مدرك بالوعي العقلي المرتبط فيه لأن الطبيعة العقلية تنسجم مع مجالها الموحد.
وكل منظومة كونية لها مجالها الخاص وتمتلك طبيعة عقلية متوافقة معها ككينونة مستمرة في الوجود, والعمق الدال على معناها يعبر عنها بنوعيته الخاصة فيها وبالتالي فإن الكون هو نظام لتفاعل الحياة العقلية في جميع أرجائه, وعندما تتفاعل كينونة عقلية مع مجال خارج مجالها الخاص تندمج به لتخرُج من نظام المحاصرة العقلية في مجالها الخاص, والتطبيق المقترن بهذا الوعي يقودنا إلى فهم طبيعتنا العقلية في مجالنا الأرضي المغلق. فالطبيعة العقلية للبشر ضمن خارطة الوجود الكلي تعبر عن ماهيتها الخاصة بها لأن وعينا مرتبط بوجودنا حصراً, وكل المعارف المشكّلة قادمة من تاريخ التطور البشري وما تواصل معه من متلازمات طبيعية وكونية, هذا العقل يتغير مع المتغيرات المتلازمة مع تطوره, فالضرورة مرتبطة بجود الأشياء والأحياء, والعلاقة هي نظام التفاعل المختلف لطبعة العقل المختلف,والانفتاح وحده القادر على رسم المعالم الأساسية للتوسع العقلي, فكل ما يدخل في نظام الحياة ضروري لوجود الحياة والمعرفة وحدها تقودنا نحو التوسع في إدراك المحتوى الضروري للحياة نفسها, فالتلازم قائم بين الوعي والوجود لوعي الوجود نفسه.
لا يتوسع الوعي في إطاره المنغلق لأن جميع الأحكام المستخرجة من طبيعة الانغلاق العقلي ستكون قاصرة عن فهم الطبيعة المتعددة للوجود, وقاصرة عن فهم الطبيعة المتعددة للعقل, ومهما بلغ الفكر من التوسع والمرونة سيكون غير قادر على التلازم والتفاعل مع غيره بدون فهم محتواه واستيعاب هذا الفهم في بنائه الخاص وكل إنسان لا يستطيع أن يقول بأنه الإنسانية بدون الوعي الكامل للطبيعة الإنسانية.
وكل نظرية أودين لا يمكن أن يمثلا غيرهما بدون وعيه كاملاً وإدخاله في نظام بنيته والتكوين الطبيعي للعقل يعمق وعي محتواه الكلي ليدخل في نظام الكلية المتوافقة مع جميع أجزائه ومهما تعددت البنى الفكرية ستبقى قائمة على التنافر حتى تعي طبيعتها التعددية فعندما يكون المسلم وغيره قادراً أن يكون مسيحياً ويهودياً وبوذياً وكل ما بني على الطبيعة الإلهية عندها يكون قادراً على التمثل الكلي للوجود الديني مع غيره من الأديان وبدون هذا المحتوى يظل التنافر قائماً في الجوهر وفي البنية المعرفية للذات .
فالتلازم المتحد للعقل مع جميع العقول يقود إلى التوسع في بنية السلوك والمعرفة عندها يتوحد الله في الذات الكلية للبشر وتكون المعرفة معبرة عن طبيعتها التفاعلية ويمكن القياس من هذا المستوى على جميع المستويات المتواجدة في الطبيعة البشرية.
فالذكورة تظل قائمة في الذكر حتى يعي الأنوثة بكل مكوناتها وحاجاتها , ويكون قادراً على تمثلها في ذاته عندها يصل إلى بنيتها المتساوية في علاقته معها .
ولأنوثة تظل قائمة في الأنثى حتى تعي الذكورة بكل مكوناتها وحاجاتها ونكون قادرة على تمثلها ذاتياً عندها تصل إلى البنية المتساوية في العلاقة معه وكل طرف يتمثل الطرف الأخر وعياً ومسؤولية عندها ينتهي التباين في مستوى العلاقة والمعاملة وتظهر الحياة في وجودها الطبيعي.
سخيف من يقول أن العضو يعبر عن امتياز العضوية لأن العضوية وظيفية وليست كينونة عقلية واعية ومستقلة, والعضو الأنثوي يحتضن الحياة ويغذيها ليخرجها كاملة عضوياً يهبها إلى الوجود الحي والمفهوم البيولوجي يعتبره العضو الأهم في إنتاج الحياة, وبالتالي كل الألاعيب والأباطيل المحاكة حوله فاشلة وغير قادرة على الصمود أمام تكوين الحقيقة الأساسية في تكوين الوجود.
فكل معرفة لا تتضمن فهم غيرها تكون ناقصة وانهزامية , وكل إنسان لا يسمح للآخرين بتمثل سلوكه ووعيه يكون أنانياً ودكتاتورياً وانعزالياً ينحذف من هذا الوجود دون أن تستفيد الإنسانية من تراثه. فالقيمة الأساسية لكل إنسان بقدر ما يقدم لبنيته الإنسانية وبقدر ما يحافظ عليها كبنية واسعة وكونية بمكوناتها الذكرية والأنثوية القابلة للعطاء والتجدد في بنية موحدة ومستقبلية , والعقلية القادرة على استيعاب مكونات الوجود يحتفظ بها الوجود نظراً لارتباطها في بنيته والتوافق العقلي العضوي يستوعب البنى المتوافقة والمتفقة في الوجود لأن الارتباط بالحياة يعبر عن الاعتراف بوجودها والتفاعل مع الوجود يعطي الحياة الإنسانية بنية متوافقة مع بنيتها الأساسية ويلغي الوعي المعادي لبنية التطور.